Thursday, July 5, 2012

التجربة الكندية 3: التطوير للجميع, ممكن؟


حضرت من فترة, بحكم عملي في مجال الهندسة و ابحاث الالكترونيات, مؤتمر قصير لمدة وم واحد بمدينة تورنتو عقدته احد شركات الالكترونيات المشهورة و و آتى معها مجموعة من الشركات الصغيرة تستخدم مكونات من إنتاج الشركة الاولى في صناعة منتجاتها لعرضها, و كانوا قد عرضوا علينا اخر ما توصلوا إليه من منتجات و افكار, و الاهم عرضوا علينا اهم أدوات تصميم و تطوير بعض من هذه المنتجات و الكثير منها كان يعتمد على تقنيات حديثة للغاية كنا نعتقد ان الحصول عليها او الدخول الى نطاق تطويرها يتطلب الكثير من الإمكانيات, لكنهم يتيحوا لنا الفرصة ان نتعلم هذه التقنيات و الأدوات.
و في نهاية اليوم قال وجدت صديقي الالماني الذي حضر معي فعاليات هذا المؤتمر لاول مرة "إن ما رأيناه اليوم مبهر", صمت لبرهة و تذكرت كل المؤتمرات و المناسبات من نفس النوع التي حضرتها في كندا في الثلاثة اعوام الاخيرة و تذكرت ان كلها كانت مفيدة للغاية و في احيان كانت "مبهرة" مثلما قال صديقي, في هذا المقال سأحكي عن هذا النوع من المؤتمرات و بعض الظواهر النتائج المرتبطة بها و سأترك للقارئ رحلة الوصول إلى الاستنتاجات و الانعكاسات على صاحب التجربة.

التدريب و المؤتمرات
جزء لا بأس به من الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا و تقنيات المعلومات بجميع فروعها يعتمد في جزء من سياسته الدعائية و الإنتشار على "الجامعات", اي ان يذهب الى الجامعات لتقديم عرض بسيط عن منتجات الشركة امام الطلبة و الاساتذة, و لا مانع من أن تقدم الشركة تدريب لمدة يوم او اكثر للطلبة "بدون مقابل" على احد منتجاتها لا سيما المنتجات التي تستطيع أن تخدم المجال الاكاديمي و العملي في نفس الوقت, و في احيان كثيرة تقدم هذه الشركات عينات من منتجاتها هدية للمشاركين على أمل أن يقرر احد الطلاب إستخدامها في مشروع خاص به او يوصى بها لزملاء آخرين او مستقبلا يوصى بها للشركة التي سيلتحق بها بعد ان ينهي دراسته. 
  
العينات
في دول العالم الاول شركات كثيرة في مجال تخصصي, الالكترونيات, تقدم العديد من العينات و الهدايا المجانية من منتجاتها, في المقابل يطلبوا من الشخص بيانات الاتصال به (الاسم, المهنة, التليفون او اي وسيلة اتصال آخرى), و يحتفظوا بها في قاعدة بياناتهم, ثم بعد فترة ما يبدأ مندوبي الشركة في الاتصال بالعملاء الذين حصلوا على عينات و هدايا ليسألوهم عن رأيهم و إن كان عندهم اي خطط مستقبلية لشراء منتجات الشركة و إستخدامها.

مهندس التطبيقات
تعرفت منذ سنوات قليلة على منصب غريب جدا موجود في اغلب الشركات العاملة في مجال إنتاج التقنيات المتقدمة و تقنيات المعلومات و البرمجيات, الا و هو منصب "مهندس تطبيقي" Application Engineer و هو منصب لم اسمع به عندما كنت اعمل بمصر, و ان كان بدء يظهر مؤخرا على استحياء في بعض الشركات, و لكن لم اعرف أهمية هذا المنصب الا بعد سفري لكندا, اكتشفت أن اغلب الشركات العاملة في المجال قد تمتلك إدارة كاملة من مهندسي التطبيقات, و مهام هذا النوع من المهندسين هو الذهاب في رحلات عمل لزبائن الشركة لتدريبهم على المنتج الذي اشتروه من الشركة, او الذهاب لزبائن محتملين للشركة او الذهاب للجامعات لعقد سلاسل التعريف و التدريب على منتجات الشركة, و مهندس التطبيقات يختلف في مهامه و اسلوبه و نوعية الخبرة المطلوبة من عن مهندس المبيعات Sales Engineer, حيث يكون يجب ان يتمتع بالقدرة على الشرح و توصيل المعلومة, الخبرة العملية و قدرة حل المشكلات للتواصل مع افكار العميل و تطلعاته في إستخدام منتج شركته ضمن مؤسسته.
نعود للموضوع الاساسي, مهندسي التطبيقات هم من رأيتهم يطوفون كندا لتقديم التعريف و التدريب و المشورة لطلبة الجامعات و و الاكاديميين و المهندسين من خلال المؤتمرات العملية القصيرة او المحاضرات و الندوات و غيرها.
لماذا تفعل الشركات كل هذا؟....ما هي مكاسبهم؟.....ما هي الانعكاسات التي تراها على المجال التقني من انتشار هذه الثقافة؟....في رأيي هذه الاسئلة تستطيع ان تحدد جوانب الإستفادة.

اكتب مقالاتي بشكل موجز حتى لا اصيب القارئ بالملل او الضجر, حيث اني لا اتمتع بمهارات كتابية عالية و اي استفاضة مني في الموضوع قد تضعف الاستفادة منه, و اشكرك على القراءة في جميع الاحوال.

كريم الريس
وواترلو, كندا
يوليو 5,
2012

Tuesday, June 12, 2012

التجربة الكندية 2 : المسؤلية الاجتماعية



لن اتحدث في هذا المقال عن المسؤلية الاجتماعية و أهمية العمل التطوعي او غيره من الانشطة الاجتماعية فقد تحدث الكثيرون قبلي عنها و أشهر من تحدث عن هذا الموضوع هو د. شريف عبد العظيم مؤسس جمعية رسالة بشكل اكثر تفصيلا و تحليلا و لكن سأسرد في المقال ما قابلته في كندا من حكايات و مواقف وبعض الاستنتاجات فيما يتعلق بالمسؤلية الإجتماعية و سأترك للقارئ التحليل و إستنتاج الدروس المستفادة.

عندما سافرت الى كندا للدراسة في بداية 2010, و كانت اول تجربة سفر لي خارج الحدود, بدأت بالاحتكاك مع المجتمع الكندي و لكن لم تتح لي الفرصة في البداية غير الاحتكاك و التفاعل مع طلبة جامعيين في مثل سني و ظروفي, و لكن بعد مرور بعض الوقت بدأت في التفاعل اكثر مع اشخاص من فئات عمرية و خلفيات عملية و ثقافية مختلفة, و قد لاحظت ان هناك البعض يشارك في بعض الانشطة بالمدرسة الابتدائية القريبة من منزله مثل القراءة للأطفال, و البعض يجمع الكتب و يرسلها "للمساجين", وجدت في الجامعة من يتطوع لمساعدة الطلاب الاجانب لتحسين لغتهم الانجليزية  بل و الاغرب, من وجهة نظري آنذاك, وجدت داخل الجامعة مكتب مختص بإدارة و توجيه الطلاب للأنشطة التطوعية تحت اسم WPIRG و عرفت انه يوجد مكتب مثله في كل الجامعات الكندية, و قابلت طلبة مدارس في المرحلة العمرية 8 ل 12 سنة يبيعون الشيكولاتة على ابواب المتاجر او في الشوارع الرئيسية لجمع تبرعات لمدارسهم, هناك من يجمع المعونات و الملابس القديمة للفقراء و ملاجئ المشردين او إرسالها الى احد الدول المنكوبة, احد المواقف التي أثارت انتباهي بشدة يوم انقطعت الكهرباء عن اغلب المدينة التي اعيش بها لعدة ساعات و كنت عائد في طريقي للمنزل لأرى واحد من سكان المنطقة يلبس "صديري فسفوري" و ينظم المرور في التقاطع القريب من المنزل نظرا لتعطل "إشارة المرور" نتيجة لإنقطاع التيار الكهربي.

الحكاية المذكورة كانت جزء من ملاحظاتي للأنشطة التطوعية في محيط المدينة التي اقطن بها, استنتجت أنه من الطبيعي او المعتاد أن تشارك في اي عمل تطوعي خلال اي مرحلة من عمرك, إذا عندما يرى الطفل الصغير الكل من حوله يشارك فيتعلم من الصغر المشاركة و التفاعل في العمل التطوعي, فالأمر اصبح له "بديهيا" الى حد ما.

داخل المؤسسات الكندية  "فكر" او ثقافة تعرف "بالمسؤلية الاجتماعية "Social commitment للمؤسسة, و هو يحدد و يؤسس لدور المؤسسة في التفاعل و خدمة المجتمع سواء على المستوى الوطني او المجتمع الموجود في المحيط الجغرافي للمؤسسة, حيث تنص اغلب قواعد المؤسسات الصناعية و الاقتصادية في كندا على مسؤليتها تجاه المجتمع الكندي و مشاركتها فيه, و ترد الحكومة الكندية على هذا التفاعل الاجتماعي بشكل ايجابي يتمثل في تخفيض ضريبي "مميز" لهذه المؤسسات حسب تفاعلها مع المجتمع و تقديمها مساعدات, بل و تقديم الشكر و التقدير لهذه المؤسسة و تقديم خدمات و تسهيلات عملية و مالية لهذه المؤسسة في حال تعرضها لأزمات.

في جامعة وواترلو, حيث درست, وجدت "عرف" او اسلوب متبع ليس فقط بهذه الجامعة و لكن باغلب الجامعات الكندية, خريجي الجامعات هنا فخورين جدا بالجامعات او المعاهد  التي درسوا بها و على اتم استعداد ان يقدموا يد العون للجامعة او المعهد الدراسي في اي وقت في شكل تبرعات, محاضرات و لقاءات مع طلاب الجامعة, التعاون مع الفرق البحثية و الانشطة الطلابية بالجامعة و دعمها من خلال المؤسسات التي يعملون بها, و الاهم, تحرص عليها إدارة الجامعة على بناء شبكة قوية للمساعدة في توظيف طلابها إما اثناء الدراسة فيما يعرف عندنا بالتدريب الصيفي او التدريب العملي لتنمية خبرتهم العملية و العلمية على حد سواء و مساعدة طلبة الجامعة بشكل غير مباشر في بناء شبكة علاقات تساعدهم في ايجاد وظائف بسهولة مستقبلا بعد تخرجهم, و إبقاء هذه الدائرة و الشبكة مستمرة و متشعبة.

عندما يصل اي من خريجي هذه الجامعات الى منصب مهم في الصناعة و مجالات السوق الآخرى في احيان كثيرة يتبرع اما هو شخصيا او عن طريق المؤسسة التي يعمل بها, عادة ما تكون هذه التبرعات في شكل معدات و ادوات معملية و هندسية غالية لا يقدر الطلاب على شراؤها, معامل كاملة التجهيز, نشرات علمية متطورة لا يستطيع العامة الحصول عليها, او تقديم الإستشارات العلمية و الفنية لطلاب.

هنا يأتي السؤال: "لماذا يتطوع هؤلاء؟......و ما مكاسبهم من العمل التطوعي؟".....كان هذا هو السؤال الذي طرحه عقلي وقتها حيث ولدت و عشت في بلد ثقافة العمل التطوعي بها نوع "شغل وقت الفراغ" و رفاهية عند اغلب الناس.....برغم مشاركتي في بعض الاعمال التطوعية البسيطة من قبل في مصر إلا إني لم أكن اعتبرها نوع من "الالتزام" او المسؤلية, لكن هنا النظرة مختلفة و الكل جاد, هنا جاء وقت التساؤل داخل نفسي و البداية لتغيير بعض من أفكاري تجاه هذا الموضوع.

كتبت هذه المقالة في فبراير 2012 و نشرت في شهر يونيو من نفس العام.  

كريم الريس
وواترلو, كندا
يونيو 12
2012